فشل الكبد .. Liverfailure
الكبد هو أعظم غدة في جسم الانسان.. حيث يؤدي دوراً أساسياً وهاماً جداً في حياته.. ولا يستطيع الإنسان أن يعيش بدونه.. ونظراً لأهمية معرفة خصائص هذا العضو الهام وكيفية صيانته وعلاجه إن اصابته علة.. نبين اهم اسباب فشل الكبد .. ولكن قبل الغوص في هذا المجال والبحر الكبير .. نعطي نبذة بسيطة عن هذا العضو وهذه النعمة العظيمة من الله تعالى ..
مقدمة موجزة ..

الكبد هو أكبر عضو في جسم الانسان.. وموقعه في الجانب الأيمن الأعلى من الجسم مباشرة تحت الاضلاع اليمنى وله وظائف عديدة، ويعتبر المايسترو للجسم فهو يدخل في عملية التوازن العام للجسد، فهو هام في كيفية تكوين الدم وتحويل البروتينات والدهنيات والقضاء على بعض السموم وافراز بعض الخمائر، كما أنه يفرز بعض الدفاعات الجسدية، والتي ان نقصت أدت إلى ظهور أمراض والتهابات مختلفة، وهو الذي يصنع السائل المداوي الذي يساعد على هضم المواد الغذائية وخاصة المواد الدهنية.. وأنه لا يمكن الاستفادة من أكثر المواد الغذائية إلا بعد تدخل عمل الكبد السليم الذي يحول أكثر هذه المواد إلى عناصر مفيدة للجسم. ولولا هذا العمل لأصبحنا عرضة لتراكم النفايات والمواد السامة، كما أن أكثر المواد الكيميائية المتناولة عن طريق الفم يحد من درجة تسممها نتيجة عمل الكبد، أيضاً هو مخزن الطاقة بالجسم، فإذن كل كبد سليم وغير مريض ينتج عنه عمل جسدي سليم..
نلخص اسباب فشل الكبد الكثيرة والمتشعبة كما يلي ..
الأسباب كثيرة.. فالكبد عضو عليه عبء كبير جداً نظراً للوظائف الكثيرة التي يقوم بها داخل الجسم.. وهو عرضة للاصابة بأمراض كثيرة أكثر من أعضاء أخرى.. وللكبد جهد وطاقة محدودة وقد تعتري خلاياه بعض الخلل لأسباب مرضية أو لأسباب تقدم السن.. وعموماً الأسباب كثيرة ولا نستطيع أن نحصرها في العوامل الوراثية أو البيئية..
فهناك أسباب منتشرة أكثر في الدول الغربية وهي..

المتعلقة بالجينات الوراثية كالتليف الناتج عن الخلل في الافراز المراري داخل الكبد،
وأيضاً الضيق الخلقي في القنوات المرارية والتي تؤدي حتماً إلى فشل تام في وظائف الكبد،
وتليف الكبد الكحولي من أهم أنواع التليف في الغرب ولكن ليس كل من يشرب الكحول يحدث له التهاب كبدي انما هناك من تكون قدرتهم ضعيفة على تحمل الكحول فنجدهم يصابون بالتهاب كبدي يؤدي مع الزمن إلى الفشل الكبدي.
اما في مناطقنا العربية ..
فترجع أسباب الفشل إلى ملوثات البيئة ..
وإلى ممارسات خاطئة كتعاطي أدوية لفترة طويلة،
أيضاً البلهارسيا المعوية،
والتهابات الكبد الفيروسية بأنواعها الثلاثة (أيه، وبي، وسي) والتي تنتشر في العالم كله وبشكل أوسع في بلاد العالم الثالث وأخطرها التهاب فيروس (سي) وفيروس (بي). التهاب الفيروس (سي) منتشر بنسبة أعلى خاصة في مصر خاصة بالمقارنة ببقية دول العالم بما فيها الدول الأفريقية. أما الفيروس (إيه) فلا يسبب تليف الكبد ويتم الشفاء منه.
لكن النوع (بي) يعتبر أخطر من النوع (سي) وترجع سبب الاصابة به إلى استخدام محاقن ملوثة اذ عن طريق نقل مشتقات دم ملوثة من استخدام أدوات ملوثة في طب الأسنان أيضاً عن طريق عمليات الختان في الأطفال التي تتم عن طريق أشخاص غير متخصصين واستخدامهم أدوات غير معقمة، وثقب آذان البنات عند حلاق الصحة لما في ذلك من خطر يعرضهم للعدوى بالفيروسات، أيضاً حالات الولادة في الريف المصري عن طريق (الداية) واستخدامها أدوات لم يتم تعقيمها بطريقة سليمة.
الأعراض والعلامات:

1 انحطاط الحالة الصحية العامة للمريض، ويبدو في شعوره بالضعف والإعياء، وفقد الشهية، والهزال، وعلامات نقص التغذية.
2 اليرقان، وهو علامة أساسية، وسببها هنا عجز الخلايا الكبدية عن التعامل مع صبغ الصفراء (البليروبين)، ويزداد اصفرار اللون بازدياد انهيار الكبد.
3 من مظاهر الفشل الكبدي أن يزيد تسارع الدم في الدورة الدموية، فيسرع النبض، وينخفض الضغط، وتتواثب دقات القلب، وتكون الأطراف دافئة متوردة، أو قد تزرق وتتعجر الأصابع إذا صاحبه الاستسقاء والانسكاب البلوري.
4 الحمى شائعة في مرضى الفشل الكبدي، وسببها تسرب الميكروبات من الأمعاء وغيرها إلى الدم، وعجز مصفاة الكبد المختلة عن حجز البكتريا والتعامل معها. هذه الحمى قد تكون مفاجئة ومرتفعة، أو تكون مخاتلة من التهاب البريتون في حالات الاستسقاء. ثم هناك نوع آخر يصاحب مرضى التليف الكبدي، وتكون درجة الحرارة فيه مرتفعة ارتفاعا طفيفا لايتجاوز 38 مئوية، ولكنه مستمر ويشكل جزءا من الصورة الإكلينيكية.
5 نتن الكبد، وهو تغير مميز في رائحة النفَس، يشبه أحيانا رائحة الفئران، سببه مواد متولدة من الأمعاء ومتسربة إلى الدم. هذه الرائحة المميزة من علامات فشل الكبد، وقد تؤذن بقرب الدخول إلى الغيبوبة.
6 التغيرات الجنسية واختلال وظائف الغدد الصم شائعة. في الذكور: ضعف الشهوة والقدرة، تساقط شعر الجسم كالإبط والعانة والذقن، تضخم الثدي (وقد يكون مؤلما)، وصغر حجم الخصية. أما الإناث. ففيهن اضطراب الحيض وقد ينقطع، وضمور الثدي، وضمور الرحم، والخصوبة عادة ضعيفة أو منعدمة.
7 تغيرات الجلد، أهمها احمرار الكفين، والعناكب الشريانية. أما احمرار الكفين، فقد يكون طبيعيا وشائعا بين أفراد بعض العائلات، وكذلك يظهر كثيرا في الحوامل، وفي مرضى الغدة الدرقية. ويكون الاحمرار واضحا في قواعد الأصابع وخاصة الإبهام والخنصر (جانبي الراحة).
وأما العناكب الشريانية، فيكثر ظهورها في الوجه والرقبة وأعلى الصدر والذراعين، وأحيانا تتخذ شكل الشعيرات الرفيعة الحمراء والزرقاء وتشبه بورق البنكنوت. وعلينا ألا نخلط بينها وبين الشعيرات المنتشرة في الرجلين، فهي من احتقان الأوردة ودوالي الساقين.
8 اختلال تجلط الدم، وأهم عناصره الفيبرينوجين والبروثرومبين، وكلاهما يعتمد على أداء خلايا الكبد.
9 الاستسقاء.
10 وصب الدماغ الكبدي Hepatic Encephalopathyهذه التغيرات العصبية والنفسية تتفاوت شدتها من الاضطرابات النفسية البسيطة، إلى الغيبوبة العميقة التي قد تفضي إلى الموت. من الأمراض والعلامات المبكرة في المريض: اضطراب النوم، فيغلب عليه النوم نهارا ولكنه يأرق ليلا، بطء الكلام وبطء الحركة عموما، تغير الشخصية، كالقلق أو الاكتئاب أو عدم الاكتراث، أو صعوبة التفكير أو تعثر الكتابة. ارتعاش الجسم (الرعاش) من العلامات المهمة، ويبدو واضحا في اليدين والذراعين المبسوطين فكأنهما طائر يخفق جناحاه. أما الغيبوبة فهي على درجات، أبسطها التشوش واضطراب السلوك والتخليط confusion، ثم الخمول والنعاس drowsiness، ثم الذهول واختلال الكلام stupor، وإن كان المريض ما يزال يستجيب لأوامر المتحدث، وأخيرا الغيبوبة العميقة التي لا استجابة فيها deep unresponsive coma. وفي أمراض الكبد المزمنة كالتليف تظهر علامات إصابات الجهاز العصبي كالشلل السفلي وتشنج العضلات.

هذه التغيرات النفسية والعصبية قد تحدث في أمراض الكبد الحادة كالالتهاب المداهم، أي المفاجىء والشديد الوطأة fulminant hepatic failure (جدول 1) وفيه تموت (تتنكرز) خلاياالكبد موتا شاملا وتنهار وظائفه خلال أسبوعين من بدايته، فهو أشبه باستئصال كامل للكبد، أو تحدث هذه التغيرات النفسية والعصبية في الأمراض المزمنة كالتليف، خاصة إذا اتسعت الأوردة الجانبية الموصلة بين الوريد البابي والوريد الأجوف (جدول رقم 2). وأقرب تفسير لمثل هذه التغيرات هو تسرب مادة ضارة تجد طريقها من الأمعاء إلى الدم، تزوغ من الكبد وتصل إلى الدماغ فتفسد أداءه (شكل 1). هذه المادة تنشأ من فعل بكتريا الأمعاء. وأغلب الظن أنها مادة الأمونيا (النشادر). هناك طبعاً احتمالات أخرى كالأمينات والأحماض الأمينية وحمض (GABA). (gamma aminobutyric acid) وهناك أيضا الخلل الكيميائي الذي قد يصيب خلايا الكبد وخلايا الجسم عموما، كاضطراب توازن الحمض. والقلوي، أو اضطراب الالكتروليات كالصوديوم والبوتاسيوم، أو انخفاض نسبة السكر في الدم. هذه الاضطرابات لها أحيانا أسباب مباشرة كالقيء أو الإسهال أو الأدوية المدرة للبول، أو الحمى، أو النزف، أو الافراط في أكل البروتينات كاللحوم، أو الخمر، أو الإمساك الشديد. هذه الأسباب المباشرة قابلة للتصحيح، وتشكل جزءاً مهماً في العلاج.
كيفية وسائل التشخيص ..

ذكرنا فيما سبق أعراض الفشل الكبدي وعلاماته الإكلينيكية، وبخاصة وصب الدماغ الكبدي والغيبوبة الكبدية. ووسائل التشخيص تتوقف على أسبابه ومصادره المختلفة، كتحاليل الدم الكيميائية (مستوى السكر، ومستوى الأمونيا، ونسبة الالكتروليات كالصوديوم والبوتاسيوم)، وتحليل السائل المخي الشوكيCSF، وفيه قد ترتفع نسبة البروتين ولكن عدد الخلايا طبيعي.
ومن أهم وسائل التشخيص رسم المخ الكهربائي EEGلمرضى الفشل الكبدي، وفيه يتناقص عدد الذبذبات من الايقاع الطبيعي المعروف ب «الفا alpha» وهو 8 - 13 ذبذبة في الثانية، ويصل في حالة الغيبوبة إلى أقل من 4 ذبذبات في الثانية وهو إيقاع «دلتا delta» (شكل 2) وهذا التغير يبدأ في الفص الجبهي أو الأوسط من المخ على الجانبين ثم يمتد إلى الخلف، ورسم المخ الكهربائي له قيمة كبيرة للتشخيص ومتابعة العلاج، إلا أن التغيرات التي وصفناها قد تحدث في أمراض أخرى كتسمم البولينا uremiaوانخفاض سكر الدم.

هناك أيضا الوسائل الحديثة لتصوير المخ بأشعة الكمبيوتر المقطعية CTوالرنين المغنطيسي MRوفيه يظهر أو ديما المخ cerebral edemaفي بعض الحالات أو ضمور قشرة المخ، لذلك تحرص بعض المراكز المتخصصة على قياس الضغط داخل الجمجمة ومراقبته باستمرار، والعمل على خفضه إذا ارتفع (بالمانيتول وغيره من الوسائل).
العلاج ..

الأسباب المباشرة للفشل الكبدي وللغيبوبة الكبدية ذكرناها سلفا، والكثير منها قابل للتصحيح. منه نزف القناة الهضمية، والحمى، والقيء والإسهال، وإساءة استعمال مدرات البول، والإفراط في أكل البروتينات أو تعاطي الخمر أو الإمساك... الخ.
أما الأسباب الكامنة، فتختلف باختلاف المرض. هناك مثلا الالتهاب الكبدي المداهم، وفيه ينهار الكبد انهيارا شاملا ومفاجئا، بسبب الفيروسات الكبدية أو الآثار الضارة لبعض الأدوية أو تسمم الحمل. مثل هذه الحالات يجب أن تعالج بمنتهى الاهتمام والمتابعة المستمرة، ويفضل أن توضع في مراكز الرعاية المركزة، لأنها بالرغم من خطورتها قابلة للشفاء التام في كثير منها.
أما أمراض الكبد المزمنة، وأغلبها التليف، فلها الراحة والغذاء المناسبان، ومعظم هؤلاء المرضى يسمح لهم بالنشاط المعتدل وبغذاء يوفر حوالي 2500 سعر حراري لليوم.
أما البروتينات، فلا داعي لحظرها طالما أن المريض لا يعاني من الغيبوبة أو من مقدماتها، وله أن يتناول 50 - 60 جم بروتين في اليوم. الخمور ممنوعة بتاتا. الفيتامينات قد تساعد أحيانا إذا ظهرت علامات نقصها. لكن كثيراً من أدوية السوق «التي تنشط الكبد الكسلان» أو «تحميه من السموم»، معظمها عديم الجدوى، وبعضه قد يضر، خاصة إذا احتوت على نسبة عالية من الكولين أو الميثيونين. المنومات ومهدئات الأعصاب يحسن تجنبها إلا للضرورة، والمنبهات الجنسية بلا فائدة.
في الغيبوبة الكبدية، وما قبل الغيبوبة، علينا أن نمنع البروتين منعا تاما من الغذاء، ونعوضه بالسعرات الحرارية اللازمة عن طريق أنبوب المعدة أو في الوريد. الإمساك عدو لدود، نغسل القولون بالحقن الشرجية، ونعطي المريض بالفم دواء لاكتيولوز (وشبيهه لاكتيول) الذي يلين الأمعاء ويمنع تكوين مادة الأمونيا. ولنفس الغرض نعطي بالفم أو بأنبوب المعدة دواء نيوميسين (4 جم في اليوم)، وهو مضاد حيوي يطهر الأمعاء من البكتريا التي تنتج الأمونيا، ويمكن الاستعاضة عنه بدواء باروموميسين أو دواء مترونيدازول.
هناك محاولات سابقة لامتصاص مادة الأمونيا من الدم بدواء «جلوتامين»، ولكن لم يثبت نفعها.
و يجرب الآن دواءان آخران لحماية الدماغ من النتائج الضارة المصاحبة للغيبوبة: الدواء الأول هو «بروموكربتين» الذي يساعد في توفير مركبات الدوبامين اللازمة لأداء وظائف الدماغ. والدواء الثاني هو «فلومازنيل» الذي يحمي الدماغ من مركبات البنزوديازبين التي قد تؤدي إلى الغيبوبة.
أما الغيبوبة الحادة الناجمة عن فشل الكبد المداهم والمصاحب لانهياره الشامل، فلها إجراءات استثنائية، لأن المشكلة ليست مقتصرة على مجرد الغيبوبة، بل تتضمن أيضا ضياع كل وظائف الكبد ا